الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَيَقْدِرُ} أي يضيق؛ ومنه. {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أي ضيّق.وقيل: {يقدر} يعطي بقدر الكفاية.{وَفَرِحُواْ بالحياة الدنيا} يعني مشركي مكة؛ فرحوا بالدنيا ولم يعرفوا غيرها، وجهلوا ما عند الله؛ وهو معطوف على: {وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ}.وفي الآية تقديم وتأخير؛ التقدير: والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض وفرحوا بالحياة الدنيا.{وَمَا الحياة الدنيا فِي الآخرة} أي في جنبها.{إِلاَّ مَتَاعٌ} أي متاع من الأمتعة، كالقَصْعة والسُّكُرُّجَة.وقال مجاهد: شيء قليل ذاهب؛ من مَتَعَ النهارُ إذا ارتفع، فلابد له من زوال.ابن عباس: زَادٌ كزاد الراعي.وقيل: متاع الحياة الدنيا ما يُستمتع بها منها.وقيل: ما يتزود منها إلى الآخرة، من التقوى والعمل الصالح،: {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} ثم ابتدأ.{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أي يوسّع ويضيّق.قوله تعالى: {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ}بين في مواضع أن اقتراح الآيات على الرسل جهل، بعد أن رأوا آية واحدة تدلّ على الصدق، والقائل عبد الله بن أبي أمية وأصحابه حين طالبوا النبي صلى الله عليه وسلم بالآيات.{قُلْ إِنَّ الله} عزّ وجلّ: {يُضِلُّ مَن يَشَاءُ} أي كما أضلكم بعد ما أنزل من الآيات وحرمكم الاستدلال بها يضلّكم عند نزول غيرها.{ويهدي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} أي من رجع.والهاء في: {إليه} للحق، أو للإسلام، أو لله عزّ وجلّ؛ على تقدير: ويهدي إلى دينه وطاعته من رجع إليه بقلبه.وقيل: هي للنبي صلى الله عليه وسلم.قوله تعالى: {الذين آمَنُواْ}: {الذين} في موضع نصب، لأنه مفعول؛ أي يهدي الله الذين آمنوا.وقيل بدل من قوله: {مَنْ أَنَابَ} فهو في محل نصب أيضًا.{وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله} أي تسكن وتستأنس بتوحيد الله فتطمئن؛ قال: أي وهم تطمئن قلوبهم على الدوام بذكر الله بألسنتهم؛ قاله قَتَادة.وقال مجاهد وقَتَادة وغيرهما: بالقرآن.وقال سفيان بن عيينة: بأمره.مقاتل: بوعده.ابن عباس: بالحلف باسمه، أو تطمئن بذكر فضله وإنعامه؛ كما تَوْجل بذكر عدله وانتقامه وقضائه.وقيل: {بِذِكْرِ اللَّهِ} أي يذكرون الله ويتأملون آياته فيعرفون كمال قدرته عن بصيرة.{أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} أي قلوب المؤمنين.قال ابن عباس: هذا في الحلف؛ فإذا حلف خصمه بالله سكن قلبه.وقيل: {بِذِكْرِ اللَّهِ} أي بطاعة الله.وقيل: بثواب الله.وقيل: بوعد الله.وقال مجاهد: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.قوله تعالى: {الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات طوبى لَهُمْ}ابتداء وخبره.وقيل: معناه لهم طُوبَى، ف: {طُوبَى} رفع بالابتداء، ويجوز أن يكون موضعه نصبًا على تقدير: جعل لهم طُوبى، ويعطف عليه: {وَحُسْنُ مَآبٍ} على الوجهين المذكورين، فترفع أو تنصب.وذكر عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر عن يحيى بن أبي كَثير عن عمرو بن أبي يزيد البِكَالِي عن عُتْبة بن عَبْد السُّلَمي قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الجنة وذكر الحوض فقال: فيها فاكهة؟ قال: نعم شجرة تدعى طوبى قال: يا رسول اللها أي شجرة أرضنا تشبه؟ قال: لا تشبه شيئًا من شجر أرضك أأتيت الشام هناك شجرة تدعى الجوزة تنبت على ساق ويفترش أعلاها. قال: يا رسول الله! فما عِظم أصلها قال: لو ارتحلت جَذَعة من إبل أهلك ما أَحَطْتَ بأصلها حتى تنكسر تَرْقُوتها هَرَمًا....» وذكر الحديث، وقد كَتَبْنَاه بكماله في أبواب الجنة من كتاب التذكرة، والحمد لله.وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا مَعْمَر عن الأشعث عن عبد الله عن شَهْر بن حَوْشَب عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها طوبى؛ يقول الله تعالى لها: تفتّقي لعبدي عما شاء؛ فَتَفَتَّق له عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما شاء، وتَفَتّق عن الراحلة برِحلها وزمامها وهيئتها كما شاء، وعن النّجائب والثّياب.وذكر ابن وهب من حديث شهر بن حوشب عن أبي أُمامة الباهليّ قال: {طُوبَى} شجرة في الجنة ليس منها دار إلا وفيها غصن منها، ولا طير حسن إلا هو فيها، ولا ثمرة إلا هي منها؛ وقد قيل: إن أصلها في قصر النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ثم تنقسم فروعها على منازل أهل الجنة، كما انتشر منه العلم والإيمان على جميع أهل الدنيا.وقال ابن عباس: {طُوبَى لَهُمْ} فرح لهم وقرة عين؛ وعنه أيضًا أن: {طوبى} اسم الجنة بالحبشية؛ وقاله سعيد بن جُبَير.الربيع بن أنس: هو البستان بلغة الهند؛ قال القُشَيري: إن صح هذا فهو وفاق بين اللغتين.وقال قَتَادة: {طُوبَى لَهُمْ} حسنى لهم.عِكْرمة: نعمى لهم.إبراهيم النَّخَعيّ: خير لهم؛ وعنه أيضًا كرامة من الله لهم.الضّحاك: غبطة لهم.النحاس: وهذه الأقوال متقاربة؛ لأن طُوبَى فُعْلَى من الطّيب؛ أي العيش الطّيب لهم؛ وهذه الأشياء ترجع إلى الشيء الطّيب.وقال الزّجاج: طُوبَى فُعْلَى من الطِّيب، وهي الحالة المستطابة لهم؛ والأصل طُيْبَى، فصارت الياء واوًا لسكونها وضم ما قبلها، كما قالوا: موسِر وموقِن.قلت: والصحيح أنها شجرة؛ للحديث المرفوع الذي ذكرناه، وهو صحيح على ما ذكره السُّهَيْلِي؛ ذكره أبو عمر في التمهيد، ومنه نقلناه؛ وذكره أيضًا الثعلبي في تفسيره؛ وذكر أيضًا المهدوي والقُشَيري عن معاوية بن قُرَّة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تُنبت الحليّ والحُلَل وإن أغصانها لَتُرى من وراء سور الجنة» ومن أراد زيادة على هذه الأخبار فليطالع الثعلبيّ. وقال ابن عباس: {طُوبَى} شجرة في الجنة أصلها في دار عليّ، وفي دار كل مؤمن منها غُصْن.وقال أبو جعفر محمد بن علي: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} قال: «شجرة أصلها في داري وفروعها في الجنة» ثم سئل عنها مرة أخرى فقال: «شجرة أصلها في دار عليّ وفروعها في الجنة». فقيل له: يا رسول الله سئلت عنها فقلت: «أصلها في داري وفروعها في الجنة» ثم سئلت عنها فقلت: «أصلها في دار علي وفروعها في الجنة» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن داري ودار عليّ غدًا في الجنة واحدة في مكان واحد» وعنه صلى الله عليه وسلم: «هي شجرة أصلها في داري وما من دار من دوركم إلا مُدَلّى فيها غُصن منها»: {وَحُسْنُ مَآبٍ} آب إذا رجع. وقيل: تقدير الكلام {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} وعملوا الصالحات طوبى لهم. اهـ.
|